إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
اقْتَفَى الصحابةُ الكرام رضي الله عنهم ومَنْ تَبِعَهم بإحسان هذا الهدي النَّبوي المبارك والخُلُقَ الكريم، فكانوا يتواصون فيما بينهم على أهمية العمل بكتاب الله تعالى والحذر مِنْ ترك العمل به، ومِنْ وصاياهم المباركة في ذلك ما يأتي:
1- قال عُمَرُ رضي الله عنه: «لا يَغْرُرْكُمْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ، إِنَّمَا هُوَ كَلاَمٌ نَتَكَلَّمُ بِهِ، ولَكِنْ انْظُرُوا مَنْ يَعْمَلُ بِهِ»[1].
2- قال ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا تَعَلَّمُوا، فَإِذَا عَلِمْتُمْ فاعْمَلُوا»[2].
3- عن أبي الدَّرْداء رضي الله عنه قال: «إنَّما أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أوَّلُ ما يَسْأَلُنِي عَنْهُ رَبِّي أَنْ يَقُولَ: قَدْ عَلِمْتَ فَمَا عَمِلْتَ فِيما عَلِمْتَ»[3].
4- قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ينبغي لحامل القرآن أنْ يُعْرَفَ بليله إذا الناس نائمون، وبنهارِه إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصَمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا محزونًا حليمًا حكيمًا سِكِّيتًا»[4].
5- عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: «يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ[5] اسْتَقِيمُوا[6]، فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا[7]، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وشِمَالًا[8]، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالًا بَعِيدًا»[9].
وبمقدار العمل بالقرآن وتطبيقه في واقع الحياة والاهتداء بهديه يكون الأجر، وهذا ملحوظ حتى في قوانين البشر الناقصة، فكيف بكلام الله تعالى الذي يصفه تعالى بقوله: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾ [فصلت: 42]. ويقول عنه: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].
وَهَبْ أن رجلًا حَفِظَ قانونَ بلدِه عن ظهر قلب، ثم هو يُخلف هذا القانون ولا يبالي بتطبيقه والالتزام به، فهل ينفعه ذلك، أو يُقبل منه؟ أو طبيبًا تعلَّم قوانينَ الطبِّ وفهمهما ووعاها ثم عالج المرضى بخلاف ما تعلَّم، فماذا تكون النتيجة؟
فإذا كان هذا مُلاحَظًا في القوانين الاجتهادية الأرضية فما الظَّن بكتاب الله الذي يُتعبَّدُ بتلاوته وبسماعه وبتدارسه؟! ولا يكتمل هذا التَّعبد والأجر المُترتِّب عليه إلاَّ إذا تلازم مع العمل والتَّطبيق.
وما يُجدي مسلمًا حفظ سورة النور بأكملها، ويعلم جزاءَ الزاني والقاذف، فإذا هو يقترف هذا الكبائر عياذًا بالله من ذلك! هل ينجيه حفظُه من العقوبة؟[11].
وعَودًا على ذي بدء؛ يتبيَّن لنا مما تقدَّم أنَّ المقصودَ الأول مِنْ تعلُّم القرآن وحفظه وتدبُّره هو العمل به: روى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إذا تَعَلَّمَ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيهِنَّ، والعَمَلَ بِهِنَّ»[12].