الأخلاقُ صورةُ النَّفسِ الباطِنةُ، والسُّلوكُ هو
صورَتُها الظَّاهرةُ التي تَدُلُّ عليها، ونَحن
نَستَدِلُّ على طَبيعةِ أخلاقِ المَرءِ بسُلوكِه الظَّاهرِ .
فالخُلُقُ حالةٌ راسِخةٌ في النَّفسِ، وليس شيئًا
خارِجًا مَظهَريًّا، فالأخلاقُ شَيءٌ يَتَّصِلُ بباطِنِ
الإنسانِ، ولا بُدَّ لنا من مَظهَرٍ يَدُلُّنا على هذه
الصِّفةِ النَّفسيَّةِ، وهذا المَظهَرُ هو: السُّلوكُ؛
فالسُّلوكُ: هو المَظهَرُ الخارِجيُّ للخُلُقِ، فنَحن
نَستَدِلُّ منَ السُّلوكِ المُستَمِرِّ لشَخصٍ ما على خُلُقِه،
فالسُّلوكُ دَليلُ الخُلُقِ، ورَمزٌ له، وعُنوانُه، فإذا
كان السُّلوكُ حَسَنًا دَلَّ على خُلُقٍ حَسَنٍ، وإن كان
السُّلوكُ سَيِّئًا دَلَّ على سُلوكٍ قَبيحٍ، كما أنَّ
الشَّجَرةَ تُعرَفُ بالثَّمَرِ، فكَذلك الخُلُقُ الحَسَنُ
يُعرَفُ بالأعمالِ الطَّيِّبةِ
إنَّ ارتِباطَ الأخلاقِ بالعَقيدةِ وثيقٌ جِدًّا؛ لذا فكَثيرًا
ما يَربُطُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بَينَ الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ،
الذي تُعَدُّ الأخلاقُ الحَسَنةُ أحَدَ أركانِه، فالعَقيدةُ
دونَ خُلُقٍ شَجَرةٌ لا ظِلَّ لها ولا ثَمَرةَ، أمَّا عنِ
ارتِباطِ الأخلاقِ بالشَّريعةِ فإنَّ الشَّريعةَ منها
عِباداتٌ، ومنها مُعامَلاتٌ، والعِباداتُ تُثمِرُ الأخلاقَ
الحَسَنةَ ولا بُدَّ، إذا ما أقامَها المُسلمُ على
الوَجهِ الأكمَلِ؛ لذا قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِ
نَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45]
،وقال في الزَّكاةِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103] ، وقال في الصَّومِ :
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] ،
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ
والعَمَلَ به فليس للَّهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طَعامَه وشَرابَه))
وأمَّا أثَرُها في سُلوكِ المُجتَمَعِ كُلِّه، فالأخلاقُ
هي الأساسُ لبناءِ المُجتَمَعاتِ الإنسانيَّةِ
إسلاميَّةً كانت أو غَيرَ إسلاميَّةٍ
فالعَمَلُ الصَّالحُ المُدَعَّمُ بالتَّواصي بالحَقِّ،
والتَّواصي بالصَّبرِ في مواجَهةِ المُغرَياتِ
و التَّحَدِّياتِ من شَأنِه أن يَبنيَ مُجتَمَعًا مُحَصَّنًا
لا تَنالُ منه عَوامِلُ التَّرَدِّي والانحِطاطِ، وليس
ابتِلاءُ الأمَمِ والحَضاراتِ كامنًا في ضَعفِ إمكاناتِها
المادِّيَّةِ أو مُنجَزاتِها العِلميَّةِ، إنَّما في قيمَتِها
الخُلُقيَّةِ التي تَسودُها وتَتَحَلَّى بها)