صورة تخيلية لابن فضلان منحوتة على ميدالية معدنية أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي (877-960م) عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي. كتب وصف لرحلته كعضو
أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي (877-960م) عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي. كتب وصف لرحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولجا) سنة 921م.
تصف رسالة ابن فضلان شعوباً شتى، منهم المسلمون في مدن وسط آسيا مثل بخارى وجرجانية، ومنهم البدو الترك في غرب السهوب الأوراسية، ومنهم أيضاً التجار الإسكندنافيون في روسيا. ولم تكن لمعظم هذه الشعوب سجلات مكتوبة عن تاريخها وثقافتها، مما يجعل الرسالة مصدراً ثميناً في هذا الميدان.
ويُقِرّ الباحثون الغربيون بفضل الرحلة في تدوين اكتشافات حضارية نادرة، ويسطّرون اسم ابن فضلان في تاريخ التواصل الحضاري بين الإسلام و«الآخر»، ويؤكدون أنها نقلة نوعية في فن كتابة الرحلة العربية التي كانت غارقة في مفاهيم السرد، فنقلتها إلى مستوى التحليل الإثنوغرافي لشعوب وقبائل لم يكن العرب يعرفون عنها شيئاً، بل لم يكن العالم يعرف عنها شيئاً.
ابن فضلان
الرحالة «ابن فضلان» غير معروفٍ إلا من نصّ رسالته ذاتها، إذ لم يَرِدْ ذكره ولا ذكر سفارته في كتب عصره ولا في مصدرٍ معروفٍ من مصادر التاريخ إلا في الرسالة التي دوَّنها بنفسه. وما يتَّضح عنه من دراسات المؤرخِّين أنه كان ابن ضابط مهمّ في الجيش العباسي. ولعلَّه فارسي الأصل وربما أتقن اللغة الفارسية، وقد كان كاتباً في حاشية الخليفة العباسي المقتدر بالله ورجلاً ضليعاً بالفقه والعلم الإسلامي. ولم يكن لابن فضلان منصبٌ ذا شأنٍ في حياته، إذ إنه أرسل في مسؤولية هامشية ضمن سفارته (ولم يكُن قائد السفارة ولا المسؤول عنها كما يظنُّ البعض)، والسفارة -نفسها- كانت متّجهة إلى بلادٍ شاسعة البعد وقارسة البرودة وقليلة الشأن على الصعيد السياسي وفي فترة انحطاط الدولة العباسية. ولم يكن ابن فضلان نفسه من الرحالة الكبار مثل ابن بطوطة، إذ إنه لم يخرج -على حد علمنا- إلا في هذه السفارة التي استمرَّت لمُدَّة عام واحد، والتي كانت لها -على طولها- وجهة رئيسية واحدة عاد منها إلى بغداد.
رحلة ابن فضلان
السفارة
كان الهدف من السفارة هو الاستجابة إلى مجموعة من الطلبات التمسها اليلطوار «ألمش بن شلكي» (ملك الصقالبة) من الخليفة العباسي المقتدر بالله في بغداد، وقرَّر الخليفة إرسال سفارة من بغداد لتلبية هذه الطلبات. وكان ملك الصقالبة -ألمش- حاكماً أشهر إسلامه مؤخرأً للصقالبة أو البُلْغار، وهم أمة بدويّة من الترك سكنت منطقة تقعُ حالياً في دولة روسيا قريباً من مدينة كازان، ودانت بالديانة الشامانية، واتّجرت بالفراء، وكانت عاصمتهم (وهي بُلْغَار) محطة تجارية رئيسية بين طرق الشمال والدولة العباسية. وكان الهدف المُعْلَن من لملك الصقالبة أن تأتي إلى بلاده سفارة تُلقِّنُ شعبه فيدين الإسلام وبناء مسجدٍ وحصن لهم في بُلْغَار، وأما الهدف الفعلي فيعقتد أنه رغبة «ألمش بن شلكي» في تكوين حلفٍ ينصره على اليهود الخزر الذين فرضوا سيطرتهم على بلاد الصقالبة، وكان «ألمش» يتأمل أن الدولة العباسية -بسبب بعدها- سوف تكون خير حليفٍ له بدون أن تستطيع التحكُّم به بسبب المسافة الشاسعة بينهما، ولأن معظم الطرق التجارية كانت قد بدأت تتحوَّل إلى عاصمته بدلاً من عاصمة الخزر (وهي أتيل). وقد فشلت سفارة ابن فضلان في تحقيق هذا الهدف (بتكوين الحلف) لأنها لم تستطع إيصال الأموال التي أراد أن يبني بها الصقالبة حصناً يحميهم من الخزر.
وضمَّت السفارة التي أمرَ بها الخليفة الرجال الآتين (مع غيرهم):
أحمد بن فضلان: وهو مُدوِّن الرحلة ومسؤول -بحكم ثقافته- عن المداولات مع الحكام والقادة الذين مضت السفارة عندهم، بما فيهم ملك الصقالبة. وهو ليس قائد الرحلة.
سوسن الروسي: وهو سفير الخليفة العباسي إلى بُلْغَار، ومولى أو عبد سابق لرجل حاشية الخليفة اسمه «نذير الحرمي».
تكين التركي: وهو صبي حدَّاد سابق رافق السفارة لإتقانه اللغة التركية ومعرفته بمنطقة آسيا الوسطى.
بارس الصقلابي: وهو رجل حر رافق السفارة لإتقانه لغة الصقالبة ومعرفته ببلاد الشمال.
المسار
غادرت السفارة مدينة بغداد (عاصمة الدولة العباسية) في 21 يونيو عام 921م. وسارت البعثة على طريق خراسان، وهو طريق كَثُرَ عليه الرحالة في ذلك العصر، والذي كان يمرُّ عبر جبال زارغوس في غرب فارس، ومنها إلى جبال ألبرز في شمال إيران الحالية، ومنها إلى الهضبة الإيرانية الصحراوية في شرق إيران الحالية وفي آسيا الوسطى. مرَّت البعثة بعد ذلك بمدينة بخارى، وهي -آنذاك- عاصمة الدولة السامانية، والتي انتظروا فيها طويلاً وصول المال المطلوب، ثم تحرَّكوا منها إلى نهر جيحون وعبرته إلى جرجانية في خوارزم، والتي توقفت فيها السفارة -كذلك- لشهور قبل متابعة طريقها عبر هضبة استجورت، وهي صحراء جافة تقع بين بحر آرال وبحر قزوين، والتي قابلت فيها السفارة قبائل الترك. وأخيراً بلغت مدينة "بلغار" أو "قازان" (حالياً) على نهر الفولغا في 14 مايو 922.
وصل ابن فضلان إلى بلاد البلغار يوم 12 مايو 922 (12 محرم 310 هـ)، (وقد اتخذت تتارستان المعاصرة من تلك المناسبةً يوم عطلة دينية).