منتدى امسيات

منتدى امسيات (http://www.omssyat.com/vb/index.php)
-   نفحات إيمانية عامة (http://www.omssyat.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   أركان المحاسن (http://www.omssyat.com/vb/showthread.php?t=6626)

نور 04-27-2024 05:09 AM

أركان المحاسن
 


قَالَ ابنُ القيّمِ: رَحِمَهُ اللهُ عَلى قَوْلِ صَاحِبِ الْمَنَازِل: المحَاسَبةُ لَهَا ثَلاثَةُ أرْكَانٍ، أحدُهَا: أَنْ تُقايِسَ بَيْنَ نِعمتهِ وَجِنَايَتكَ يَعْنِي تُقَايسَ بَيْنَ مَا مِن اللهِ وَمَا مِنْكَ فَحِينَئذٍ يَظْهرُ لَكَ التَّفاوتُ وَتَعَلمُ أَنَّهُ لَيْسَ إلا عَفوهُ وَرَحْمَتُه أَوْ الْهَلاكُ والعَطَبُ وَبِهَذِهِ الْمقَايسةِ تَعْلمُ أنَّ الربَّ رَبُّ وَالْعَبْدَ عَبْدٌ، وَيتبيّنَ لكَ حَقِيقَةُ النَّفسِ وَصِفَاتُهَا وَعَظمةُ جَلالِ الرُّبُوبيَّةِ وتفرد الرَّبُ بَالكمَالِ والأَفْضَالِ وأنّ كلّ نِعمةٍ فَضْلٌ، وَكُلَّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ وَأَنْتَ قَبْلَ هَذِهِ الْمقَايَسةِ جَاهلٌ بِحقيقةِ وَبِرُبُوبيّةِ فَاطِرِهَا وَخَالِقهَا.

فإذَا قَايَستَ ظَهرَ لك أنّها مَنْبَعُ كلِّ شَرٍ وأسَاسُ كلِّ نَقْصٍ وأنْ حَدَّهَا الْجَاهلَةُ الظَّالِمَةُ وأنَّهُ لَوْلا فَضْلُ الله ورَحْمَتُه بَتَزْكِيَتِهِ لها مَا زَكَتْ أَبدًا وَلَوْلا هُداهُ مَا اهْتَدَتْ وَلولا إرشَادهُ وَتَوْفِيقُهُ لما كانَ لَها وُصُولٌ إلى خَيرٍ البتَّةَ وَإنّ حُصول ذَلِكَ لَها مِنْ بَارِئها وَفَاطِرَها، ثُمَّ تُقايس بينَ الْحَسناتِ والسَّيئاتِ فَتعلمُ بِهذهِ الْمُقَايسة أيُّهما أكثرُ وأرجَحُ قَدْرًا وَصِفَة.


قَالَ: وهذه الْمُقَايَسةُ تَشُقّ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ ثَلاثَةُ أَشْيَاءٍ: نُورُ الْحِكْمةِ، وَسُوءُ الظَّنِّ بالنَّفسِ، وَتَمييزُ النَّعمةِ مِنْ الفِتْنةِ، يَعْني أنّ هَذِهِ الْمُقايسة والْمُحَاسَبة تَتَوقَفُ عَلى نُورِ الْحِكْمَةِ وَهُو النور الذي نَوَّرَ اللهُ بِهِ قلوبَ أتْبَاعِ الرُّسُلِ فبقدْرِهِ تَرَى التَّفاوتَ وَتَتَمَكَّنَ مِن الْمُحاسبةِ، نُورُ الْحِكْمةِ هَا هُنَا هُوَ العِلْمُ الذي يُميّزُ بهِ العْبدُ بينَ الْحقَّ والباطِلِ، والْهُدى والضَّلالِ، والضَّارِّ والنَّافعِ، والكاملِ والنَّاقِص، والْخَيرِ والشَّرِ وَيُبْصِرُ بهِ مَرَاتَبَ الأَعْمالَ رَاجِحِهَا وَمَرْجُوحِهَا وَمَقْبُولَهَا وَمَرْدُودِهَا كلّما كان حَظهُ مِن هَذَا النُّورِ أَقْوَى كَانَ حَظَهُ مِنْ الْمُحَاسبةِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ.

أَمَّا سُوءُ الظَّنِّ بالنَّفس فإنّما احتَاجَ إليْه لأَنّ حُسنَ الظَّنِ بالنَّفسِ يَمْنعُ مِنْ كَمالِ التَّفتيشِ وَيُلبِّسُ عَلَيْهِ فَيَرَى الْمَسَاوئ محاسنَ والعُيوبَ كَمَالاً وَلا يُسيُء الظَّنَ بِنَفْسِهِ إلا مَنْ عَرفهَا، وَمَنْ أَحْسنَ ظَنَّه بِنَفْسِهِ فَهُو مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا تَمْييزُ النَّعْمَةِ مِنْ الفتْنةِ فَلْيَفْرِقْ بين النَّعْمةِ الَّتِي يَرى بِهَا الإِحْسَانَ واللُّطفَ وَيُعَانَ بِهَا عَلى تَحْصِيل سَعادتِهِ الأَبْديِّةِ وَبَيْنَ النِّعْمَةِ الَّتِي يَرَى بِها الاسْتدراجَ فَكْم مِنْ مُسْتَدَرَجٍ بالنِّعم وهو لا يَدْري، مَفْتونٌ بِثَنَاءِ الْجُهّالِ عَلَيْهِ مَغْرُورٌ بِقَضاءِ اللهِ حَوَائِجَه وَسَترِهِ عَلَيْهِ، وأكْثَرُ النَّاسِ عنْدهُم أَنَّ هَذِهِ الثَّلاثةَ عَلامةُ السَّعَادَةِ والنَّجَاحِ، ذلك مَبلغُهم مِنْ العلمِ وَقَدْ مُثلتِّ النَّفسُ معَ صَاحِبهَا في الْمَالِ، وَكَمَا أنَّهُ لا يَتِمُّ مقْصُودُ الشّرِكَةِ من الرّبْحِ إلا بالْمُشَارَطَةِ عَلى مَا يَفْعلُ الشَّريكُ أَولاً ثُُمّ بِمطالعَةِ مَا يَعمَلُ والإِشْرَافُ عَلَيْهِ وَمُراقَبتِهِ ثَانيًا، ثُمَّ بِمحَاسَبتهِ ثَالثًا، ثُمّ بِمنْعِهِ مِنَ الْخِيانَةِ أنْ اطّلعَ عَلَيْهَا رَابعًا، فَكذلكَ النّفسُ يُشارِطُها أَوَّلاً على حِفظِ الْجَوارِحِ السَّبعَةِ الَّتِي حِفظُهَا هوَ رأسُ الْمَال والرِّبْحُ بَعدَ ذَلِكَ فَمَنْ لَيْسَ لَهُ رَأسُ مَالٍ كَيْفَ يَطْمَعُ في الرِّبْحِ؟


وَهَذِهِ الْجَوارِحُ السَّبْعةُ هِيَ: الَعْينُ، والأُذُنُ، والفَمْ، واللِّسَانُ، والفَرْجُ، واليَدُ، والرِّجْلُ هِيَ مَرْكَبُ العَطَبِ والنَّجَاةِ، فَمِنْهَا عَطِبَ مَنْ عَطِبَ بإهْمَالِهَا وَعَدَمِ حِفْظَها، وَنَجَا مَنْ نَجَا بِحِفْظِهَا وَمُرَاعَاتِهَا فَحَفِظُهَا أَسَاسُ كلِّ خَيرٍ، وَإهْمَالُها أَسَاسُ كَلِّ شَرٍ، قَالَ الله تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30].



وقَالَ تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36] فإذا شارطَهَا على حِفظِ هَذِهِ الْجَوارِحِ وانتَقَل مِنْهَا إِلى مُطَالَعتها والإِشْرَافِ عَلَيْهَا وَمُراقبَتِهَا فَلا يُهُملها فإنّه إنْ أَهْمَلهَا لَحْظَةً وَقَعتْ في الْخِيَانةُ ولا بُدّ فَإنْ تَمادَى على الإِهْمَالِ تَمَادَتْ فِي الْخِيانَةِ حَتَّى يَذْهَبَ رَأسُ الْمَالِ كُلِّهِ فَمَتى أَحَسَّ بالْخُسْرَانِ وَتَيَقّنهُ اسْتَدْرَكَ مِنْهَا مَا يَسْتَدْرُكُه الشَّرِيكُ مِنْ شَريكِهِ مِن الرُّجُوع عَلَيْهِ بِمَا مَضَى والقِيَام بالْحِفْظ والْمُرَاقَبةِ في الْمُسْتَقْبَلِ وَلا مَطْمَع لَهُ فِي فَسْخِ هذِهِ الشِّرِكَةِ مَعَ هذا الْخَائِنِ فَليَجْتهدْ في مُراقَبتهِ وَمُحَاسَبَتهِ وَلِيَحْذَرْ مِنْ إهْمَالِهِ، وَيُعينُهُ عَلَى هَذِهِ الْمُرَاقَبةِ والْمحَاسَبةِ مَعرفتُهُ أَنَّهُ كُلّما اجْتهَدَ فِيهَا اليَومَ استَراحَ منْهَا غَدًا إذا صَارَ الْحِسَابُ إلى غَيْرِهِ وَكُلّما أَهَمَلهَا اليَوْمَ اشْتَدّ عليهِ الْحِسَابُ غَدًا، وَيعُينهُ عَليهَا أيضًا مَعْرفتُهُ أَنَّ ربْحَ هذه التِّجَارَةِ سُكْنَى الفِرْدَوسِ والنَّظَر إلى وَجْهِ الرَّبِّ وَخَسَارتِها دَخولُ النَّار والْحِجَابِ عَنْ الرَّبِّ فَإِذَا تَيَقَنَ هَذَا هَانَ عَليْهِ الْحِسَابُ اليَومَ.

ناطق العبيدي 04-27-2024 09:09 AM

تسلم أناملك عالطرح الرائـع
لآحرمنـا الله روعة موأضيعك
شكرا لمجهودك المميـز
دمت قلماا مبدعا بين طيات المنتدى

نور 04-27-2024 09:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناطق العبيدي (المشاركة 38357)
تسلم أناملك عالطرح الرائـع
لآحرمنـا الله روعة موأضيعك
شكرا لمجهودك المميـز
دمت قلماا مبدعا بين طيات المنتدى

الف الف الف
شكر للحضور الراقي
في متصفحي
نورتو يالغالين
اهلا وسهلا بك يا استاذي العزيز زدني شرف بمرورك العطر

الأمير 04-27-2024 09:53 AM

يُعْطِيكَم الْعَافِيَةُ
دُمْتُم بِهَذَا الْعَطَاءِ الْمُسْتَمِرِّ
أسْعدنَى الرَّدَّ عَلَى مَوَاضِيعِكُمْ
وَالتَّلَذُّذَ بِمَا قَرَأَتْ وَشَاهَدَتْ
تَقْبَلُوا خَالِصَ اِحْتِرَامِي
لِأَرْوَاحَكُمِ الجميله
وَدُمْتُم بِسَعَادَةِ دَائِمَةِ
http://media.tumblr.com/tumblr_m2t0tlS78c1qbs47q.gif

نور القلب 04-28-2024 05:21 PM

جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم

وجعلكم من أهل جنات النعيم

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...fd95ddedf8.gif

نورة 04-28-2024 07:18 PM














مواضيعك سهل على القلوب هضمها

و على الأرواح تشربها

تألفها المشاعر بسهولة

و يستسيغها وجداننا كالشهد

سررت بمروري على هذا المتصفح

الراقي والجميل


لك خالص تقديري إحترامى

http://up.omssyat.com/do.php?img=2702























المهره♕ 04-28-2024 07:47 PM

جزاك الله كل خير
ع الطرح القييم
لاحرمك الاجر والثواب
/*


الساعة الآن 12:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
This Forum used Arshfny Mod by islam servant