فلتكسر كل الأقلام

الأقلام , فلتكسر

فلتكسر كل الأقلام

الأقلام , فلتكسر

فلتكسر كل الأقلام

فلتُكسر كل الأقلام !!

وسط موجة التصفيق الحار ، وجد نفسه كمن يغالبها ليرسو على شط النجاة والأمان ، شعور غريب خامره وهو يواجه تلك الجموع الغفيرة من مختلف الفئات والأطياف ، وبدلا من إلقاء مرساته على شطه المأمول ، غاص في عمق تلك الموجة هربًا من شيء ما لم يدرك كنهه أو يعرف سرّه بعد ، سحبته أفكاره بعيدًا وأركبته على جناحيْ حروف شفيفة.
لحظات قليلة ، شعر بعدها بلفح رياح باردة قاسية حيث حطّ رحاله ، لاحت أمامه خيمة بائسة تسحّ دموع ساكنيها على صغيرتهم التي لم تكمل عامها الثاني بعد ، طفلة احتضنها البرد بعد أن تخلى عنها بنو جلدتها، بعد أن أدار لها العالم المنافق ظهراللامبالاة ومضى .. لم يستطع جسدها الغض مقاومة قسوة أنشبت مخالبها فيها! أسلمت الروح وهي تجأر لباريها وتشكو له حال بلادها ومآسيها!
لم يصمد أمام نظرات والدتها الكليمة التي كانت تصرخ بألف عتاب وعتاب رغم صمتها المستكين ، أشاح بنظره عنها وحدّق بحروفه كأنه يلومها على قصورها وقلة ذات يدها حيال ما رأى ..
أغمض عينيه علّ بعض راحة تتخذ سكنًا لها في قلبه المعذب وضميره المضطرب ... وأنّى له ذلك وقد أخذته حروفه مرة أخرى ليشهد صورة من صوره الشعرية يعاينها حقيقة لا مدادًا ينتشر بعشوائيته التي لا تدرك سبيلا ولا تبصر دربا منيرا!
أنهار من دم تلوح أمام ناظريه ، يعتلي أمواجها الثائرة قارب يتمايل راكبوه ذوو القمصان الزرقاء فرحاً ونشوة ، يلوّحون له بكل صفاقة وسخرية وشماتة، استفزته ضحكاتهم القبيحة ، أثارت اشمئزاره أنيابهم الحادة الطويلة ، صفعته نظرات غدرهم ومكرهم وحقدهم ..
غطّى وجهه بيديه ليتخلص من مرأى وجوههم الكالحة ، ومضى يلوذ بالهرب بعيدًا عنهم .. فما كان منه إلا أن تعثّر بأشلاء ملقاة هنا وهناك،سمعها رغم انتزاع حياتها تلعن الإنسانية الكاذبة التي لا تبصر إلا بقدر ما تحب ، ولا تسمع إلا بقدر ما تشاء ، ولا تتقن لعبةً أكثر من مدارة الظالم وقصاص المظلوم ...
تنّهد بحسرة عميقة ، والآه تلو الآه تكاد تخنقه حتى تسلل الليل في غفلة منه وأطفأ سراج النهار الراحل ، مدّ يد العجز نحو مفتاح الكهرباء المتمرد ، فلم يجد سوى قهقهات الليل تسخر منه ومن قلة حيلته ، لم يرَ وسط حلكته أكثر بشاعة من عورات الأمة التي تكشّفت أمامه بوقاحة لم يعرف التاريخ أسوأ منها وأقبح جحودًا ونكرانًا وقسوةً وموتَ ضمير!!
أخذت حروفه تتراجع إلى الخلف بعد أن شعرت أنها مجرد قزم أمام عملاق البؤس ووحش الجبروت والطغيان المستبد ، أصابه الفزع لابتعادها، أخذ يركض وراءها في محاولة للإمساك بها ، ركض وركض هو وعجزه وشتات فكرهِ وقلبهِ ، إلى أن وجد نفسه يقف على أسوار مسرى حبيبه وقد حان وقت صلاة الفجر التي ينتظر مثلها فجرًا هانئًا لأمّته ، ولكن ، أنّى لابن الأرض أن يضع جبهته على أرضه يناجي ربه ويشكوه كربه وهمه !!
حاول قطع سلسلة أفكاره علّه يرتاح من هذا الألم الفظيع الذي يكاد يخنقه، فما كان إلا أن توالت مشاهد أخرى أخذت تمر عليه الواحد تلو الآخر وكأنها تتنافس في بشاعتها وفظاعتها .
شعر بأصابع العجز تعصر رقبته تخنقها ، وبقيود الضآلة تكبّل معصمي الروح تضغط على بنان يحتضن قلما حرا ينفث لهفة وغيرة وصدقا يجابه مرارة مستبدة متسلطة
إحساس بالنقمة في داخله تفاقم كبركان لم يستطع كبح جماحه ، ودون وعي ومنه ، دوّت صرخة جامحة من أعماقه :
فلتسقط كل الأقلام
فلتمت كل الحروف
بهتت الأكف المصفقة ، وتوقفت في دهشة لتنوب عنها النظرات المحدقة بحيرة وتساؤل في وجه الشاعر الثائر ..
أشاح بوجهه عنهم ، وأجهش بالبكاء .

الموضوع الأصلي: فلتكسر كل الأقلام || الكاتب: خديجة قاسم || المصدر: منتدى امسيات

المصدر: منتدى امسيات - من قسم: ⊱ أدب الرســالة ⊰

المصدر: منتدى امسيات - من قسم: ⊱ أدب الرســالة ⊰

قرأتُ هنا سرداً موفقاً لأحداثِ جانبٍ اجتماعي يعيشه ملايين من الشرفاء العرب المسلمون

قرأتُ ضعف الذي يملك قوة الحق . يصفعه باطلٌ تمرَّد ولم يجد من يردعه

قرأتُ سيلاً من المشاعر الإنسانية يملأ قلوب الذين يرونَ بعين الحق والحقيقة.

قرأتُ مأساة ً يصورها مثقف بألوان الوجع الذي لاينتهي ( وعند المسلمين فقط)

قرأتُ استسلاماً يمرُّ به الكثيرون دونَ أن يرجمون الظالم بحجر

وقرأتُ أفقاً يلامسُ الشمس تديره شاعرة وأديبة فارهة

.................. وواقعاً صورته أديبتنا خديجة قاسم بقولها :

عورات العرب التي تكشّفت أمامه بوقاحة لم يعرف التاريخ أبشع منها وأقبح جحودًا ونكرانًا وقسوةً وموتَ ضمير!!

فهل بعد هذا الكلام كلام ؟!!!!!!

شكراً لك ولعمق عملك ووطنيتك وانتمائك الأصيل